يمر التعليم بمرحلة تغيير. ومع تصدر الذكاء الاصطناعي العناوين الرئيسية، أصبح الحفاظ على الوضع الراهن يصعب تبريره. يجب على البلدان التي تسعى لتحقيق نمو في القرن الحادي والعشرين أن تأخذ في الاعتبار فوائد التحول الرقمي لأنظمتها التعليمية: فالاتصال بالإنترنت يحوّل الاقتصادات ويسمح للطلاب من المجتمعات المهمشة بالحصول على التعليم والتدريب المتقدم. وفي الوقت نفسه، على مستوى الفصول الدراسية، تَعِد ابتكارات التكنولوجيا التعليمية بتقديم تعلم مخصص وجذاب، مما يحسن نتائج التعلم ويدعم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
ومع ذلك، فإن تحقيق الإمكانات الكاملة للتحول الرقمي يتطلب ما هو أبعد من مجرد التكنولوجيا والبنية التحتية. فهو يستلزم التركيز على أولئك الذين يشكلون جوهر العملية التعليمية. أولئك الذين يقودون الفصول الدراسية هم الأكثر دراية بتحدياتها. لديهم معرفة مباشرة بما يصلح وما لا يصلح في المناهج الدراسية ونظام التعليم بشكل عام.
للأسف، تكشف الاستطلاعات أن العديد من المعلمين غير مستعدين ولا يتم إشراكهم في عملية إدخال التكنولوجيا الجديدة إلى الفصول الدراسية. هذه المقاربة تؤدي إلى فجوة تعيق التقدم الحقيقي. لذلك، يعد حل هذه المشكلة أمراً ضرورياً قبل الشروع في أي تغييرات جوهرية على الأنظمة الحالية.
أحد المقاربات الواعدة تأتي من مبادرات مثلمدارس 2030، وهو تحالف عالمي تقوده مؤسسة الآغا خان. تهدف مدارس2030، إلى تمكين المعلمين بالأدوات التي تساعدهم على تقييم احتياجات فصولهم الدراسية وتصميم حلول مخصصة ومشاركة النتائج مع صانعي السياسات من أجل إحداث تغيير أكبر. فعلى سبيل المثال، في المناطق الريفية في قرغيزستان، حيث يهاجر العديد من أولياء الأمور للعمل، استخدم معلمٌ التكنولوجيا لربط الأطفال في رياض الأطفال عن بُعد مع أولياء أمورهم أثناء وقت قراءة القصص. لم يعزز هذا التدخل البسيط الذي يأتي في سياق مخصص، مهارات القراءة فقط، بل عزز أيضاً الروابط الأسرية والتعلم الاجتماعي والعاطفي، مما يبرز كيف يمكن للتكنولوجيا أن تعالج التحديات المحددة والمحلية. وتظهر هذه التجربة كيف يمكن صياغة الممارسات المبتكرة من خلال رؤى المعلمين في الميدان، مما يقود التحول النظامي من القاعدة إلى القمة.
يعد الاستثمار المستمر في تطوير مهارات المعلمين الذي ن وتنميتهم المهنية أمراً بالغ الأهمية من أجل تحقيق التحول الرقمي. في عالم اليوم يشهد تطوراً سريعاً، يواجه المعلمون بيئة تتطور فيها تقنيات جديدة، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، يومياً، بينما يتعاملون في الوقت نفسه مع قضايا عالمية جديدة، مثل تغير المناخ، التي لها تداعيات محلية. المعلمون في العديد من أنحاء العالم يشعرون بالقلق، ولكنهم غالباً ما يفتقرون إلى المعرفة والأدوات المناسبة لإرشاد طلابهم بشكل فعال في القرن الحادي والعشرين.
تقدم برامج مثل تدرب من أجل المستقبل (Train for Tomorrow)، التي تمولها دبي العطاء، نموذجاً لسد هذه الفجوة. في غانا، يقدم المدربون الدروس من خلال بنية تحتية تعتمد على الأقمار الصناعية والطاقة الشمسية، مما يضمن أن المعلمين في أبعد المناطق يمكنهم الحصول على تدريب مهني عالي الجودة. فقد عزز هذا النهج المبتكر ممارسات التدريس ووسع المعرفة بالمواد، مما جعل التعليم أكثر تأثيراً وشمولية ومتاح للجميع.
من الضروري التأكيد على أنه في جميع الحالات، يجب أن تظل تكنولوجيا التعليم مكملة للمعلمين المؤهلين والمتمكنين والمتميزين الذين يتم تقديرهم واحترامهم في مجتمعاتهم. ورغم أنني لست معلماً، إلا أنني مدين بالكثير مما أنا عليه اليوم للمعلمين الذين شكلوا مسيرتي. القيم والمهارات الخالدة التي نقلوها لي لم تعلمني فقط ما يجب تعلمه، بل كيف أتعلم. لقد علموني - وليس الإنترنت - كيفية مواجهة التحديات المعقدة في العالم من خلال التعاون والمرونة وعقلية النمو.
في عالم التعليم المتغير، لا بد أن يبقى المعلمون في صميم أي تحول رقمي. فهم القوة الدافعة وراء التغيير الإيجابي، ويتحقق ذلك من خلال تقديرهم، ودعمهم، وتمكينهم. يبدأ التحول الحقيقي عندما نصغي إلى أصوات المعلمين ونعزز دورهم، فهم من يُلهمون، ويُوجهون، ويصنعون قادة المستقبل.